مِنْ ذكاء العرب ونباهتهم !« الموضوع فيه إنّ » !!
دائمًا يُقال للموضوعِ الذي فيه شكٌّ وسوءُ نية : « الموضوع فيه إنّ » !!
ما قصة هذه الـ « إنّ » ؟ و ما أصل هذه العبارةُ التي ورِثناها أباً عن جد ؟!
♦️ كان في مدينةِ حلَب أميرٌ ذكيٌّ فطِنٌ شجاعٌ اسمه «علي بن مُنقِذ»، وكان تابعًا للملك (محمود بن مرداس)
حدثَ خلافٌ بين الملكِ والأميرِ، وفطِن الأمير إلى أنّ الملكَ سيقتله، فهرَبَ مِن حلَبَ إلى بلدة دمشق .
طلب الملكُ مِنْ كاتبِه أن يكتبَ رسالةً إلى الأمير عليِّ بنِ مُنقذ، يطمئنُهُ فيها ويستدعيه للرجوعِ إلى حلَب
وكان الملوك يجعلون وظيفةَ الكاتبِ لرجلٍ ذكي، حتى يُحسِنَ صياغةَ الرسائلِ التي تُرسَلُ للملوك، بل وكان أحيانًا يصيرُ الكاتبُ ملِكًا إذا مات الملك
شعَرَ الكاتبُ بأنّ الملِكَ ينوي الغدر بالأمير، فكتب له رسالةً عاديةً جدًا، ولكنه كتبَ في نهايتها :
" إنَّ شاء اللهُ تعالى "، بتشديد النون !
♦️ لما قرأ الأمير الرسالة، وقف متعجبًا عند ذلك الخطأ في نهايتها، فهو يعرف حذاقة الكاتب ومهارته، لكنّه أدرك فورًا أنّ الكاتبَ يُحذِّرُه من شيء ما حينما شدّدَ تلك النون!
ولمْ يلبث أنْ فطِنَ إلى قولِه تعالى :
( إنّ الملأَ يأتمرون بك ليقتلوك )
ثم بعث الأمير رده برسالة عاديّةٍ يشكرُ للملكَ أفضالَه ويطمئنُه على ثقتِهِ الشديدةِ به، وختمها بعبارة :
« أنّا الخادمُ المُقِرُّ بالإنعام ».
بتشديد النون !
فلما قرأها الكاتبُ فطِن إلى أنّ الأمير يبلغه أنه قد تنبّه إلى تحذيره المبطن، وأنه يرُدّ عليه بقولِه تعالى :
( إنّا لن ندخلَها أبدًا ما داموا فيها )
و اطمئن إلى أنّ الأمير ابنَ مُنقِذٍ لن يعودَ إلى حلَبَ في ظلِّ وجودِ ذلك الملكِ الغادر.
■من هذه الحادثةِ صارَ الجيلُ بعدَ الجيلِ يقولونَ للموضوعِ إذا كان فيه شكٌّ أو سوءُ نية أو غموض : :
« الموضوع فيه إنّ » !
كان القرآنُ هو إطارَ الحياة.
قال ابنُ الأثير :
" وهذا من أعجبِ ما بلغَني من حِدّةِ الذِّهنِ وفطانِة الخاطر، ولولا أنه صاحبُ الحادثةِ المَخُوفةِ لَمَا تفطَّن إلى مثلِ ذلك أبداً ؛ لأنه ضَربٌ من عِلمِ الغيب، وإنما الخوفُ دلَّه على استنباطِ ما استنبطَه ".